الله جل جلاله هو الذي:
{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19)} [الروم: 19].
⤴إنها عملية دائبة لا تكف ولا تني لحظة واحدة من لحظات الليل والنهار في كل مكان في هذا الكون، على سطح الأرض، وفي أجواء الفضاء، وفي أعماق البحار.
��ففي كل لحظة يتم هذا التحول، وفي كل لحظة يخرج الله حياً من ميت، وميتاً من حي.
��وفي كل لحظة يخرج الله برعماً ساكناً من جوف حبة أو نواة، يفلقها ويخرج إلى ميدان الحياة مع الأحياء.
��وفي كل لحظة يجف عود أو شجرة، تستوفي أجلها فتتحول إلى هشيم أو حطام، وفي هذا الهشيم والحطام ترقد الحبوب الساكنة المتهيئة للحياة والإنبات مستقبلاً.
��وفي كل لحظة تدب الحياة بأمر الله في جنين إنسان أو حيوان أو طائر،
��وفي كل لحظة تخرج أجيال بقدرة الله في مشارق الأرض ومغاربها، وتموت أجيال كذلك ..
��فسبحان الحي الذي يملك الموت والحياة ..
��فيحيي ويميت من شاء من خلقه .. أمم وخلائق تستقبل الحياة .. وأمثالها تودع الحياة.
والله على كل شيء قدير أخرج من التراب الساكن الميت، الإنسان الحي المتحرك
��كما قال سبحانه: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20)} [الروم: 20].
▪وهو سبحانه الذي خلق البشرية من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وخلق كلاً منهما على نحو يجعله موافقاً للآخر،
▫وأودع نفوسهم العواطف والمشاعر، وجعل في تلك الصلة سكناً للنفس والعصب، وراحة للجسم والقلب، وطمأنينة للرجل والمرأة على السواء:
��{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)} [الروم: 21].
وهو سبحانه القدير الذي خلق السموات والأرض، هذا الخلق الهائل العظيم الدقيق،
▪وخلق هذه المخلوقات العظيمة في جو السماء من الأفلاك، والمدارات، والنجوم، والكواكب، والمجرات، مع الضخامة الهائلة، والتناسق العجيب فيما بينها،
▫وخلق ما بينها من المسافات والأبعاد التي تحفظها من التصادم والخلل، هذا من ناحية أحجامها وسيرها.
↩وأما أسرار هذه الخلائق الهائلة، وعجائبها وطبائعها، وما يستكن فيها، وما يظهر عليها،↔ فهذا كله أعظم من أن يلم به الإنسان، وحتى الآن لم يعرف عنه البشر إلا القليل:
��{أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) [نوح: 15، 16].
▪وفي الأرض آيات وكائنات وعجائب لا يحيط بها إلا الله،
من سهول وجبال، وتراب ومياه، ونبات وحيوان، وجواهر ومعادن خلقها الله بقدرته، مختلفة الأحجام والألوان، والطبائع والمنافع.
فهذه قدرته سبحانه في خلق سماء واحدة، وأرض واحدة،
فكيف بخلق السموات السبع وما فيهن، وكيف بخلق الأرضين السبع وما فيهن؟:
{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22)} [الروم: 22].
ومع آية خلق السموات والأرض العجيبة اختلاف الألسنة والألوان بين البشر مع اتحاد الأصل والنشأة وصفة الخلق.
فكم لسان في العالم .. وكم لغة في العالم .. وكم لهجة في العالم .. وكم ألوان البشر في العالم .. وكم صورة وشكل لكل بشر في العالم.
فقلما يشتبه رجلان أو امرأتان في العالم.
فسبحان الخالق البارئ المصور الذي فاوت بينهم في الأشكال والألوان والأحجام واللغات والأصوات والأسماع والأبصار والعقول.
الله سبحانه الحي القيوم، قيوم السموات والأرض،
وقيام السموات والأرض منتظمة سليمة مقدرة الحركات لا يكونإلا بأمره سبحانه،
وكل من في السموات والأرض خاضعون لله، يتصرف فيهم خالقهم وفق ما يريد تصرفه بباقي العبيد:
��{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ (25)} [الروم: 25].
��موسوعة فقه القلوب��
��جامعة الفقه الإسلامي العالمية في ضوء القرآن والسنة ��
تعظيم قدرة الله بالتفكر في اﻵيات الكونية
��إن في خلق الشمس آية .. وفي نورها آية .. وفي حركتها آية .. وفي اشتعالها آية.
��إن هذه الكتلة الهائلة الملتهبة، والتي يخرج منها هذا النور العظيم، وهذه الحرارة الموزونة،
وبهذا النور وبهذه الحرارة تجري بأمر الله في مسارات مختلفة في فضاء هذا الكون العظيم،
وهي مأمورة مدبرة، سامعة مطيعة:
��{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38)} [يس: 38].
إن ذلك كله يدل بلا شك على كمال قدرة الله الذي يصرف هذا الوجود عن قوة وعلم وحكمة.
��إن رؤية الآيات الكونية، وتدبر الآيات القرآنية، كفيل بتحريك القلوب، واستجاشة الشعور،
لتعظيم بارئ الوجود وعبادته وطاعته.
فسبحان من خلق هذا الكون، ومن يحكم هذه الأجرام الهائلة، ويقهرها على ما يريد، ويخرج منها المنافع على مدى الدهور والأزمان.